جاء ذلك في اللقاء الذي عقد اليوم في قاعة الشوكاني بكلية الشرطة بصنعاء الذي جمع نخبة من علماء اليمن وخطباء المساجد والمرشدين والمرشدات، حضروا لتدارس واقع الخطاب الديني وآفاقه وموضوعاته وقضاياه ومستقبله وحضره فخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهوري.
وقال الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام لقطاع الفكر والثقافة والإعلام والتوجيه والإرشاد الدكتور أحمد عبيد بن دغر:" إن ما يشغل بال المهتمين بالخطاب الديني مسلمين كانوا أو غير مسلمين هي ظاهرة الغلو والتشدد التي برزت في بنية الخطاب الديني بطابعها منذ أكثر من ثلاثة عقود. مؤكدا على إجماع المفكرين الإسلاميين وعلماء العصر أن هذه الظاهرة لا صلة لها بجوهر الإسلام والدين، وتثير كثيرا من البلبلة والفوضى في التفكير وتدفع إلى كثير من الممارسات المتسمة بالعنف تجاه الآخرين بما فيهم أهل العقيدة ذاتها وأحيانا أهل العقيدة والمذهب والفرقة الواحدة.
وأشار في هذا الصدد إلى سلوك المجموعات الإرهابية المتطرفة التي أصابت المجتمع بأضرار كثيرة.
وقال بن دغر:" إن هذا الأمر يتطلب من العلماء والشيوخ والمتعاطين جميعا مع الخطاب الديني وعلى وجه خاص الخطاب الموجه إلى المراهقين والشباب التبصر والروية واستشعار المسؤولية الوطنية والمسؤولية أمام الله تعالى، فالدين يسر والدين النصيحة.
وأضاف" إننا في اليمن نفتخر أننا دائما أصحاب رسالة أسلامة أخذنا الإسلام على عاتقنا في بداياته الأولى ومضينا به إلى أمصار كثيرة وجعلناه بإرادة المولى عقيدة للملايين من البشر في شرق الكرة الأرضية وغربها بالتي هي أحسن وأقوم.
وأكد الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام أن نجاح اليمنيين في نقل رسالة الإسلام للعالم اعتمد على التسامح والصدق في المعاملة والقدوة الحسنة، باعتبار العقيدة الإسلامية في جوهرها نزوعا لا ينضب نحو التسامح الذي هو قيمة عقيدية وطريق أمثل للتعامل مع وقائع الحياة على ما فيها من تنوع واختلاف في المشارب الدينية والمذهبية، وهو فضيلة أخلاقية ووازع فكري يلبي حاجة المجتمع خاصة عندما تبرز التناقضات الاجتماعية أو الدينية أو العرقية.
وقال:" إن الإسلام بالنسبة للشعب اليمني كان ولا يزال أساس تكوينه الفكري والروحي وهو بمبادئه وقيمة الأخلاقية الرفيعة مثل ضمر الأمة وعقلها ومنطلق بنائها الوطني وهو الإسلام ذاته الذي يقبل على التجارب الإنسانية بعقل مفتوح وروح متحفزة للاستفادة من تجارب الآخرين.
وأضاف" كما أنه الإسلام الذي يتفاعل مع القيم الإنسانية الكبرى بما هي قيم تستند إلى الحرية واحترام الحقوق بما فيها الحقوق الفردية ويعترف بالديمقراطية سبيلا للحكم والإدارة والوصول إلى السلطة، كما أنه الإسلام ذاته الذي يدعونا صباحا مساءا للدفاع عن وطننا وشعبنا وتاريخنا وإنجازاتنا في الثورة والجمهورية والوحدة التي تتعرض اليوم لحملة ظالمة.
وتابع بن دغر" إنه الإسلام الذي يوحدنا ويجمع شتاتنا ويحمى استقرارنا وأمننا حيث يمارس المسجد دورا في الحفاظ على قيمنا الدينية، ويعلو من شأنها في الوقت الذي يمارس دورا أخر في الحفاظ على نظامنا الوطني الديمقراطي وخياراتنا للتقدم والتطلع نحو مستقبل أفضل.
وأشار إلى أن فخامة الرئيس أدرك منذ بداية عهده المكانة التي يحتلها الدين في وجدان الأمة وأدرك أهمية الخطاب الديني في حماية الوطن والذود عن إنجازات الشعب فاهتم به كما أهتم بالعلماء والشيوخ وخطباء المساجد.
إلى ذلك أشار رئيس دائرة التوجيه والإرشاد بالمؤتمر الشعبي العام الشيخ يحيى النجار إلى اهتمام فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية المتواصل بالخطباء والمرشدين ورعايته الدائمة لهم باعتبار الكثير منهم من ثمار عهده المبارك.
وأشار إلى أن هذا الجيل من الخطباء والمرشدين قد نهلوا من العلوم الشرعية النافعة في القرآن والسنة والتفسير والحديث والفقه واللغة العربية في حلقات العلم ويدعون إلى الله على بصيرة وحكمة وموعظة حسنة، وتربوا على اللين والوسطية والاعتدال منطلقين من قوله تعالى" وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا".
وقال الشيخ النجار" إن هؤلاء الدعاة والمرشدون يؤمنون أن طاعة ولي الأمر واجبة وأن وحدة الأمة فريضة شرعية وضرورة حتمية وأن الولاء الوطني ولاء لله وأن حب الوطن من الإيمان ولا يفرطوا بحفنة من تراب الوطن أو ذرة من رماله، كما يؤمنون أن من يتآمر على الوطن أو يحاول تشويه سمعته أو العمالة مع أعدائه فإن واجب الأمة الوقوف صفا واحدا في وجهه إلى جانب الدولة.
وأضاف " أن هؤلاء الدعاة يؤمنون أن أمن الوطن واستقراره لا يقتصر على الدولة والأمن والجيش بل إنه واجب على كل فرد في هذا البلد، فالأمن
ضرورة لحياة الناس وعبادة الله، وأن من يحاول زعزعة الأمن والسكينة العامة فإن الواجب يحتم على الجميع الوقوف بدا واحدة وصفا واحدا لمواجهته.
وأكد أن هذا الجيل من الدعاة يؤمنون باليسر والتيسير ويعلمون أن الغلو في الدين عاقبته وخيمة ويعتقدون جازمين أن مكان الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو المسجد وحده ومنبره، وأن هناك شرطة آداب وأمن لتغيير المنكرات والأخذ على أيد المجرمين بالقوة.
ولفت إلى ضرورة توطيد وتعزيز العلاقة بين السلطة والعلماء كما كانت العلاقة متلازمة بينهما منذ القدم، فلا سلطة بدون علماء ولا علماء بدون سلطة، وأن الواجب على العلماء التعاون مع السلطة والنصيحة لها والإشارة عليها.
وقال " إن العلماء يؤمنون أنهم مواطنون وأن طاعة ولي الأمر واجبة ما لم يأمر بمعصية".
وتمنى أن يخرج هذا اللقاء برؤية تجسد روح الوسطية والاعتدال والتسامح الديني حتى يجنب البلد كل مكروه ومكيدة وتآمر.
في حين تحدث خطيب وأمام الجامع الكبير بصنعاء الشيخ أكرم عبدالرزاق
الرقيحي بكلمة عن الخطباء أوضح فيها ما آل إليه حال الأمة من تضعضع وهوان وتكالب من الأعداء إلى جانب تنازع أبنائها وغفلتهم في فهم حقيقة الدين.
وأشار إلى حاجة الأمة الإسلامية لمراجعة خطوتها وتصحيح مكان الخلل ومواضع الزلل.
وبين أن هذا اللقاء التشاوري الذي يضم أهل العلم والإرشاد والوعظ والتوجيه يجسد استشعارهم للمسؤولية تجاه أوضاع الأمة والدعوة إلى الله وإشاعة نور الإيمان وإحياء تعاليم الإسلام السمحة في السلوكيات والتعاملات ونشر المحبة والمودة بين إبنائها ومجتمعاتها.
وقال: " يجب أن يستشعر الدعاة إلى الله عظمة الواجب المنوط بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن وتحقيق القصد في نفع الناس وإرشادهم إلى الخير، كما يجب أن يستشعروا أن رسالتهم هي تقريب الناس إلى ربهم وتزيين الإيمان في قلوبهم وتشويقهم إلى رحمة الله وجنته بالترغيب والتبشير لا الترهيب والتنفير.
وأضاف " كما يجب على الدعاة أن يستشعروا عظمة المهمة الملقاة على عاتقهم في الدعوة للإسلام الصحيح القائم على الوسطية والاعتدال عقيدة وعبادة وسلوكا ومنهجا بعيدا عن الابتداع والتكلف والتشدد والتطرف.
ولفت إلى أن هذا الأمر يستلزم إعادة النظر في منهجية الخطاب الديني والقائمين عليه وتعريف الشباب المتحمس للدعوة بأحكام الشريعة ومعرفة حقيقة أهداف مختلف الجماعات الدعوية وسلامة مقاصدها، لأن الكثير من الشباب ينشدون إلى الجماعات الدعوية بدافع الحماس فلا يتورعون عن انتهاك المحارم والمعاصي والجرائم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ودعا الرقيحي إلى بسط الرقابة والإشراف على مراكز الإرشاد والتعليم وإيجاد القنوات والآليات القادرة على استيعاب الشباب وتبصيرهم بجسامة المسؤولية الملقاة عليهم في الدعوة إلى حفظ ثوابت الدين والأمة واحترام دماء الناس وحقوقهم وأعراضهم وحفظ وحدة المسلمين وعدم زعزعة استقرارهم وأمنهم وتعزيز وحدة المجتمع وأمن الوطن واستقرار البلاد، وأن هذه الثوابت خطوط محترمة وثوابت مقدسة بعيدة عن كل خلاف ونزاع.
وكانت مستشار وزارة الأوقاف الشيخة هدى اليافعي قد ألقت كلمة المرشدات, فيما القى الدكتور المهدي محمد الحرازي كلمة عن المرشدين, واعتبرت الكلمتان هذا اللقاء هو دافع جديد للعلماء والمرشدين والخطباء لأن يكونوا سفراء لدين لله لا يخافون في الله لومة لائم في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحكم بين الناس بالعدل، وتجسيد مبدأ إنما المؤمنون إخوة.
وبينت الكلمتان أن العلماء ورثة الأنبياء كلفهم الله بالبيان والبلاغ لما امتن عليهم بنعمة العلم والمعرفة والإدراك.
وتطرقتا إلى ما ابتليت به الأمة من مورث الخلاف البغيض الذي استهلك طاقات أبنائها، وقطع العلاقة فيما بينهم من جهة وبينهم وبين الحكام من جهة ثانية.
وشدد اليافعي والحرازي على ضرورة تنبيه علماء اليمن لعلاقة التكامل بين العلماء والحكام وهو التكامل بينهما لأن الحاكم يحرس الدنيا بالدين وهو صمام أمان المجتمع به يحفظ الله على الناس أمنهم واستقرارهم.
وتناولت الكلمتان أهمية تأهيل الخطباء والمرشيدين ليسلكوا طريقهم التنويري في المجتمع من رجل ونساء , مشيرين إلى أن شعبا تفقهت نساءه وتفنن بالدعوة إلى الله وعاضه لا شك أن هذا سيكون شعبا عالج داءه وامتلك دواءه بعد أن عمل على تمكين المراة من أسباب القوة والعلم والتفقه في الدين.
وأشادت الكلمتان بالجهود الخيرة التي بذلها فخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية في سبيل رفع راية اليمن واليمنيين في توحيد هذا الوطن والقيام بالمساعي الحميدة للحفاظ على وحدة الأمة وتعزيز العمل الإسلامي المشترك.
وألقيت في الحفل قصيدة شعرية للشاعر المرشد أحمد عباس المتوكل تناولت أهمية نهج الوسطية والاعتدال في الإسلام وما يجب ان يكون عليه العالم المسلم والمرشد والخطيب, وتحدثت عن الوحدة الوطنية وفضلها على أبناء الشعب اليمني وعظمة الإنجازات التي تحققت للوطن في ظل القيادة الحكيمة لفخامة الرئيس علي عبد الله صالح.
حضر اللقاء رئيس مجلس الشورى عبدالعزيز عبدالغني ووزير الأوقاف والإرشاد حمود الهتار وأمين عام رئاسة الجمهورية عبدالله البشيري وعدد من المسؤولين والمهتمين.