في الـ 30 من نوفمبر من عام 1967م توج النضال الوطني الذي خاضه أبطال حرب التحرير ضد المستعمر البريطاني بالاستقلال الناجز بعد حرب ضروس سطر خلالها المناضلون انصع صور البطولة والشجاعة والفداء دفاعا عن الأرض، وفي سبيل نيل الاستقلال شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء.
ولما كان الاستقلال في الـ 30 من نوفمبر 67م، قد جاء ليطوي حقبة استعمارية دامت زهاء 129 عاما ضد أقوى قوة استعمارية في تاريخ الإمبراطورية البريطانية التي لا تغرب عن مستعمراتها الشمس، فإنه في الوقت نفسه قد جاء ليمثل عهد جديد في التاريخ اليمني الحديث والمعاصر، وليكون مسك الختام لمسيرة بطولية كفاحية لكوكبة لامعة من المواطنين كانت بدايته الأولى في قمم جبال ردفان الشماء في الـ 14 من أكتوبر في العام 1963م.
وحقيقة الأمر فإن الاستقلال وبما مثله من معان ذات أبعاد عميقة لاستعادة السيادة الوطنية على جزء هام من بلادنا ، فانه قد جاء ليشكل أيضا التتويج النهائي لمسيرة وطنية كفاحية خالدة ، وبداية عهد جديد في عمل وطني دؤوب لإزالة مخلفات الاستعمار، والشروع في إحداث نهضة تنموية شاملة في البلاد.
وبالطبع لم تنل اليمن الاستقلال لشطرها الجنوبي هدية أو هبة أو نتيجة للتمني والرغبات بل نالته بمنطق قوة الحديد والنار بعد صراع مرير ومعارك طاحنة خاضها مقاتلو حرب التحرير مع الجيش البريطاني زهاء خمس سنوات أجبر خلالها المناضلون الجيش البريطاني على الاعتراف بالهزيمة والإقرار بها.
وبات بحكم المؤكد إن خسارة فادحة ألحقت بالإمبراطورية الاستعمارية البريطانية، وهي تسلم بحقيقة الاستقلال لشطرنا الجنوبي من الوطن، يعرف ذلك جيدا من يدركون حقيقة الأهمية البالغة التي تمثلها عدن ومينائها الدولي الهام للإمبراطورية البريطانية، والتي تتركز في أمرين على درجة عالية من الأهمية..
* الأول: يتمثل في حقيقة الميناء الذي ـ كما يؤكد خبراء الموانئ في العالم ـ ليس له مثيل في المنطقة من حيث موقعه الهام والفريد، وإشرافه على مضيق باب المندب وخط الملاحة الدولية في المحيط الهندي من جهة، ومن حيث مكوناته الطبيعية بين السهل والجبل من جهة أخرى، وهذا يعطيه موقعا لائقا ومتقدما بين موانئ العالم ذات الأهمية القصوى، الأمر الذي جعل الإمبراطورية البريطانية تتمسك به، خاصة وأنها ركزت في استعمارها لمعظم دول العالم على البحار والمحيطات، وجعلت من موانئها ومنافذها نقاط ارتكاز وانطلاق صوب مستعمراتها في مختلف قارات العالم.
* الثاني: إن ميناء عدن شكل نقطة انطلاق صوب مستعمرة درة التاج البريطاني جمهورية الهند من جهة، ولإحكام القبضة الاستعمارية البريطانية على مستعمراتها في منطقة الخليج والجزيرة العربية وجنوب إفريقيا وجنوب شرق آسيا من جهة أخرى.
ولهذه الاعتبارات وغيرها مجتمعة يمكننا تصور المرارة البريطانية، وهي تقر بحقيقة الاستقلال للشطر الجنوبي لليمن ومدى الخسارة الفادحة التي ستلحق بها، ولتؤكد أيضا عمق الضربات التي وجهها أبطال حرب التحرير للجيش البريطاني، الذي أجبر على تجرع أهون الشرين، وهو التسليم بالأمر الواقع، والدخول في مفاوضات مع قيادة العمل الوطني في الجنوب لتحديد موعد الاستقلال والانسحاب البريطاني من جزء غالي من بلادنا.
ولما كان الاستقلال بحقيقته وبعده وعمقه يمثل انتصارا للإرادة الوطنية فإنه قد جاء ليرسم البسمة والفرحة على وجوه ابناء الشعب اليمني، وليعيد ليعيد لهم الأمل في التعاضد مع أمتهم العربية، والثقة بمقدراتها وإمكاناتها من المحيط إلى الخليج خاصة بعد نكسة يونيو (حزيران ) عام 1967م، بما يشكل ضربة قوية للاستعمار ليس في المنطقة فحسب بل في العالم كله.
إن تاريخا مجيدا وجديدا قد بدأت أولى فصوله في اللحظة طوى فيه الاستعمار ورحل من البلاد وإلى غير رجعة واستعادت بموجب ذلك بلادنا سيادتها الكاملة والشاملة على جزء عزيز وغال منها، ودخلت البلاد من يومها بعهد جديد وبدأت مسيرة مباركة من العمل الوطني الدؤوب والخلاق باتجاه التفكير بما هو أوسع وانفع للوطن، وهو إعادة توحيده، وتصحيح واقع كان مفروضا بالخطأ بفعل الاستعمار في الجنوب والإمامة في الشمال، فكان التغيير كما أراد أبناء الوطن الشرفاء، الذين خاضوا سلسلة من المباحثات بوضع الأسس العملية للوحدة حتى توجت تلك الجهود بالحدث الناصع الجديد في التاريخ اليمني الحديث المعاصر في الـ 22 من مايو 1990م، يوم أعلن اليمنيون على الملأ والعالم كله إعادة البسمة إلى وطنهم المجزأ في تحكيم خلاق لمنطق العقل والحكمة أذهل العالم الذي وقف مبهورا يتابع حقيقة حدث تاريخ مجيد يسطره اليمنيون على أرضهم، معلنين تصحيح مسار التاريخ، وإنهاء التشطير وإلى الأبد، في وقت كانت تنهار فيه منظومات عملاقة وتتجزأ أمم شتى وشعوب كثر.
لا ريب في أن الشعب اليماني قد أحدثوا منذ الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، وحتى اليوم نقلات نوعية في مسيرة التطور التي شهدها الوطن اليمني، وتغيرت معالم البلاد وصار معلوما لدى الجميع من أن واقعا يمنيا حديثا قد زين الوطن من أقصاه إلى أقصاه.