رئيس اتحاد أدباء وادي حضرموت:حذرت كثيراً من العبث بمجاري السيول. لكن دون جدوى
الجمعة 07/11/2008- سيئون/موقع محافظة حضرموت/سبأنت - حوار : أحمد الأغبري

علي أحمد بارجاء شاعر متميز بقصائد مفعمة بالجمال و نقابي استطاع من موقعه في رئاسة اتحاد الأدباء والكتاب بوادي حضرموت ان يجعل من فرع الاتحاد شريكا فاعلا و متفاعلا مع قضايا المجتمع وهو بالإضافة الى ذلك كاتب و باحث لا يكف عن النبش في الذاكرة الشعبية فكتب في كثير من موضوعاتها بما فيها موضوع السيول حيث أنجز قبل عام ونصف دراسة استعرض فيها أهم السيول في الذاكرة المكتوبة عن تاريخ حضرموت و الواقع الذي آلت إليه مجاري السيول في الوقت الراهن ، فحذر من العبث الذي شهدته هذه المجاري و الكارثة التي ستنتج عن استمرار هذا العبث..وبالفعل حصلت الكارثة لنجده يقول لنا:ربنا لطف! فقد كنت أتوقعها اكبر من هذه الكارثة بكثير.


* كيف تعامل الأدباء والمثقفون في وادي حضرموت مع هذه الكارثة اقصد كارثة السيول التي حلت ببعض المديريات ؟
- بالنسبة لنا في سيئون بالذات كان الأمر طبيعي لأنه لا يوجد عندنا أضرار كبيرة عدا الأضرار العادية جدا التي تحصل في كل بيت عندما يستمر المطر ساعات طويلة أي تسقط بعض السقوف وهذا أمر طبيعي ، لكن لم نكن نعلم ما حدث في المناطق المجاورة في الوادي حول سيئون ؛لان الكارثة جاءت مباغتة و كان من الصعب التواصل مع أصحابنا في تلك المناطق فلم نكن نعلم ان ثمة كارثة تحدث في جوارنا الا في يوم السبت حيث صحونا على اخبار و انباء تقول على انه هناك أموات و بيوت جرفت و هناك مزارع ومواشي... وبدانا نتحقق بالاتصالات بالزملاء فوجدنا الكارثة كبيرة وكثير من الاعزاء قضوا فيها . ولاشك حادث كهذا سيخلف بالضرورة شكلا من الأشكال الإبداعية شعرا ونثرا والناس ستكتب و بالنسبة لي على الأقل فانا لم اكتب شيئا حتى الآن لاني انا فعلا لازلت في حالة من الذهول مما حدث سواء مما اراه في التلفزيون او ما اسمعه او ما أشاهده من المتاح لي بحكم انني لا املك وسيلة مواصلات للتنقل الى مناطق الكارثة ولكن أحد الزملاء أخذني الى بعض هذه المناطق فوجدت الدمار هائلا .. فالمشكلة كبيرة و هنا بالضرورة بعد ان يشاهد الاديب لابد له ان يكتب وانا لازلت الملم من الذاكرة و الملم ما اراه و ربما اكتب و لكن بالضرورة كل شاعر و كل اديب لابد يكتب لان هذه الكارثة ستترك فيه اثرا و لابد ينتج شعرا او نثرا .

* لو عدنا قليلا الى الذاكرة كيف كان تعامل أدباء حضرموت مع كوارث السيول الماضية ووثقوها في أعمالهم ؟
- في السنين الماضية هناك كثير من الأدباء كتبوا عن الأمطار فكتب عنها الشاعران حسن و حسين باحارثة وغيرهما أدباء كثير حيث كتب على حسين العيدروس قصة على ما اذكر اسمها "مارس 89" حول السيول التي هدمت منازل في شبام و دخل السيل الى تريم في العام 1989م اي قبل الوحدة بعام ... وعندما نستعيد الذاكرة المقروءة فأنا قرأت و أعددت ربما تقريرا او دراسة في عدد السيول و حجمها و أضرارها و مجاريها في حضرموت و اقول و ربما أكون واثقا من كلامي ان هذا السيل الاخير هو أعظم السيول ... فانا قرأت ما كتبه شنبل في تاريخ حضرموت عن السيول و ما كتبه باحناث عن تاريخ الشحر و الحامد وغيرهم من المؤرخين كل هؤلاء أرّخوا للسيول ففي ثقافتنا في اليمن عامة كوننا ارض زراعية يشكل لنا المطر و السيل نعمة و بشرى بالرخاء و الثراء و الخير و الرزق و هكذا نحن نتعامل مع المطر لكن الله سبحانه و تعالى يمتحن الناس فتاتي السيول على غير توقعات كل الناس فلم نتوقع ان ياتي سيل بالكمية هذه و يستمر كل هذه الساعات ويحدث هذه النتائج التي تكون عكسية فبدلا من ان تكون عامل خير تكون عامل شر و بدلا من ان يثرى الناس منها يصبحوا فقراء و تنتهي ثرواتهم و يصبح الإنسان كأنه غريب في ارض وصلها لاول مرة ماذا يفعل وماذا يعمل لا بيت لا مزرعة لا مواصلات كل شيء انتهى فلو شاعر صور هذا في قصيدة ماذا سيقول؟! .

* من خلال ما قرأت وخرجت به في دراستك او تقريرك عن تاريخ السيول في حضرموت كم عدد هذه السيول الأخيرة و ما أحدثته من أضرار؟
- قرأت عن خمسة عشر سيلاً شهدها وادي حضرموت و كان لهذه السيول أسمائها و أؤرخ لها بالقصائد و الشعر و منهم من أرخ لها بحساب الجُّمل ومنهم بالتاريخ المنظوم شعرا و اذكر أنني قرات وسجلت هذه السيول منذ حوالي سبعمائة سنة أي منذ حوالي أوائل القرن السابع الهجري حتى سيل مارس 1989م ... هي 15 سيلا وبالإضافة الى هذا السيل الأخير يصبح عددها 16 سيلا .. اما عما شكلته هذه السيول من خطورة فتختلف الخطورة من سيل الى أخر فمثلا (سيل الاكيل) ياتي في نجم الإكليل وسيول هذا النجم معروفة برهبتها في الفترة الماضية لكن في إكليل العام الماضي كان فيه أمطار و لكن لم ينتج عنها سيل كما في الفترة الماضية .و هناك (سيل بن ربيدان) الذي اخذ مدينة شبام و (سيل سبع) المشهور و( سيل الهميم) و السيل الذي حول (وادي الريان) إلى (وادي عِدم) أي عدمه وسمي بعد ذلك وادي الريان بوادي عدم،هذا على رأي بعضهم، لكن هناك راي يقول ان (عدم) من مفردات اللهجة اليمنية القديمة مثل (عمد) أي الارض المرتفعة مثل (بعلال) ... كلها مفردات في اللهجة اليمنية القديمة ... الثقافة الشعبية ربما تنتج مثل هذه المفردات باعتباره غير متوقع فالناس يضفوا عليه الاسم العظيم .. فكل السيول كانت تجرف بشر وارض ونخيل و تجرف زراعة، ووادي حضرموت معروف انه مجرى ماء و الناس تبني عادة في المنحدرات و في سفوح الجبال مخافة ان تأتي الإمطار بسيل كبير فيأخذ البيت و لكن الناس تنسى او تتناسى تجاربها السابقة و عامل الإهمال و الاستهتار و حمى الأراضي و السباق الذي يحدث عليها عزز من هذا الإهمال ..

* من المسؤول عن تذكير الناس بهذه المخاطر الناتجة عن العبث بمجاري السيول و البناء فيها وتنبيه الناس بان كل موسم أمطار قد يأتي بسيل يتسبب بكارثة و ما دوركم كأدباء في هذا خصوصا وقد اتسعت رقعة البناء في مجاري السيول ؟
- الأدباء والكتاب والمؤرخون هم الذين تقع على عاقتهم مهمة تذكير الناس بتاريخهم و التاريخ ليس ذاكرة ممحوة ما لم يكتب وبالتالي فالتاريخ هو ذاكرة مكتوبة و الذاكرة المكتوبة هي الابقى لذا لابد ان نكتب كل شيء فالسيل هذا لابد ان تسلط عليه الأضواء و ان يستفاد منه و يؤخذ كعبرة حيث تاتي الاجيال القادمة و تجد ذاكرة مكتوبة والأدباء والكتاب هم الذين سينشون هذه الذاكرة المخبوءة في الكتب وينشروها للناس ويقولون فيها انه حصل قبل سبعمائة سنة سيل ذكره المؤرخ
فلان الفلاني و انه وصل الى هذا الحد.. وقتل كذا من الناس فالناس ستتعظ .. أقول ان أهمية التاريخ هي في ان السيل الذي يجري امام بيتك اليوم يصبح مهم وعليك ان تعرف ماذا أحدث هذا السيل قبل 300 سنة.. فالأدباء والمؤرخون هم الذين تقع على عاتقهم الكتابة وتذكير الناس بالماضي في أي حين حتى في الحرائق .

* هل انت مع فكرة إطلاق حملة توعية قبيل كل موسم امطار .. كما يقترح بعضهم ؟
- لماذا مع كل موسم و مع كل سيل؟! ينبغي ان يكون هذا ديدن للناس في ان يكتبوا .. مثلا الإذاعة ينبغي ان يكون فيها برامج زراعية تهتم بمجاري المياه و كيفية ترميمها و كيفية الاهتمام بها... هذه حياتنا اليومية فمن يقول لك انه في النجم الفلاني سيأتي مطر ... ما لم تكون على معرفة ووعي بذلك و يكون كل قادة الرأي على وعي بذلك ايضا.

* في السابق كانت الثقافة الزراعية حاضرة بقوة لدى المزارعين لذا نجدهم كانوا يعرفون انه في النجم الفلاني سيهطل مطر وستأتي السيول .. و هكذا .. هل فقد المزارعون اليوم الاهتمام بهذه الثقافة ؟
- أكيد فقد الناس هذه الثقافة والدليل على أهمية هذه الثقافة ستجده في أشعار الحكماء المخزونة في الذاكرة الشعبية مثل أشعار الحكيم عبدالحق و أشعار الحكيم بوعامر و الحكيم بن زايد و الحكيم الحميد بن منصور هؤلاء من الشعراء الذين تكلموا في هذا الجانب مثل سعيد نونه والشاعر سعد السويني الذي يقول : سهيل بالسريات و الغداري / ماتسمع الداعي من المناكي.. هؤلاء يبرزن أهمية هذه الثقافة ومكانتها ودورها .. فكل هذه ثقافة شعبية و كلنا مزارعين و حتى ان كنا اليوم نقود السيارات الا اننا مزارعين و هكذا ينبغي ان نبقى مهما تعددت التخصصات فالزراعة تبقى لانها قوتنا ... سيئون هل هي اليوم بقيت ارض زراعية ام انها ستتحول الى مدينة؟ هذا من الأمور التي الناس تقولها حتى المهندسين يقولون سيئون هذه الأيام لم تعد ارض زراعية فينبغي ان تنقل المزارع الى أماكن أخرى و تتحول سيئون كلها الى مدينة اذن في حال تحولت سيئون كلها الى مدينة فاين ستذهب مياه السيول التي ستنزل من الجبال ؟ أي ستذهب هل تسحق البيوت سحقا اذا كانت ستتحول كل الأراضي الى مدينة ؟!.

* نتوقف عند هذه النقطة وهي البناء في مجاري السيول في تقديرك ما هي الأسباب وراء مغامرة المواطنين بتعريض حياتهم لهذه المخاطر البناء في هذه المواقع ؟
- الأراضي في سيئون كلها مملوكة عدا مجاري السيول فيجد فيها بعض الناس اتساعات محددة فيبنوا فيها لانها غير مملوكة فالدولة يبنغي ان تحدد ماهي مجاري السيول فهناك مجاري سيول قديمة و دُمرت وتم استغلالها والآن السيل يمر فيها فيقولوا لك هذه الأماكن لم تكن مجاري سيل وأصبحت اليوم مجاري سيل وهذا غير صحيح لان العكس هو الصحيح هي كانت مجاري مياه واستغلت كأراضي و جاء السيل و اخذ حقه لا اقل ولا اكثر ..
* تقصد ان السيل لايتحول عن مجراه ؟
- ابدا الا السيل لا يتحول عن مجراه مدى الحياة ... عندنا مثل شعبي يقول ان " السيل يعرف مجراه " فلا يمكن لأحد يأخذ حق السيل مهما طال الزمن فالسيل سيعود و ياخذ حقه .
* هناك من يقول ان أشجار السيسبان اسهمت في تحويل مجري السيل ؟
- هذه الأشجار اتت بها بريطانيا وفق مايقول الأجداد لأنها لم تكن موجودة عندنا فهي من الأشجار الاستوائية و هذه الأشجار سريعة النمو والانتشار فالأغنام لو تأكل منها تتبرز في أي مكان فتخرج مخلفات هذه الأشجار وتنبت مباشرة في مكان براز الأغنام لكن اذا لم تؤكل لا تنتب ولهذا ينتجوا منها علف فهذه الشجرة خطيرة حيث تتشابك وتشكل سد فعموما هذا نوع من الأشجار و هناك أشجار عندنا اقل خطورة و هي الشخر ينتب في مجاري السيول ولكنه يستخدم حطب و انا انصح بتشجيع الناس على احتطاب أشجار السيسيان..
* بخصوص ما انجزت من تقرير او دراسة حول السيول ما اهم النتائج التي خرجت بها ؟
- تناولت في التقرير العبث الذي تم في مجاري السيول و حذرت من انه ستأتي كارثة كبيرة وفي الحقيقة اقول ان الله لطف بالناس اما انا فقد كنت أتوقع اكبر من هذا لكن ربي لطف لذا اقول ان هذا إنذار من رب العالمين وينبغي على الناس ان يعوا خطورة البناء في مجاري السيول وخطورة العبث بمجاري السيول وأهمية ان يستعيدوا تقاليد الاجداد في الاهتمام وإعادة ترميم مجاري السيول قبيل كل موسم أمطار ..

* كلمة أخيرة ؟
- هناك فكرة في ذهني حول هذا الشوق العجيب والتوق بين الماء والأرض والعناق الحار بين الماء والأرض فبعد مدة طويلة من الحرمان كان الناس يتمنون قطرة مطر و بعد هذا الحرمان يأتي السيل بهذا العناق الحار فيجرف كل شيء في صورة عجيبة فانا أتصور كيف أصوغها في قصيدة!.