مقابلات
/
حوار مع الناقد الدكتور عبدالقادر علي باعيسى
المكلا السبت 26 /ابريل/2025 | 04:25
حوار مع الناقد الدكتور عبدالقادر علي باعيسى
موقع محافظة حضرموت/صالح سعيد بحرق - موقع محافظة حضرموت/صالح سعيد بحرق - 23/7/2007
س : كيف يفهم الدكتور عبدالقادر باعيسى العملية النقديــة ؟
أجراه / صالح سعيد بحرق س : كيف يفهم الدكتور عبدالقادر باعيسى العملية النقديــة ؟ جـ : أفهم العملية النقدية على أنها تفاعل احتراقي في جسد النص ، استضيء به ، وأضيء فيه ، في لحظة ميلاد أتصدع فيها وألتحم ، أتوتر وأنفرج ، أدخل في لحظة بين الفهم واللافهم ، ففي النص إشارات لم تولد بعد ، وخطابات كتبت منذ آلاف السنين ، اندفع عبرها في رحلة من الحركات ، والتحليقات ، وطاقات العشق ، وقراء ة بواطن الكلمات / الأشياء . تستطيع أن تقول إنني أفهم العملية النقدية على أنها عرفاني الخاص ، وسر أسراري في جسد مليء بالكلمات القبلات ، ومناطق لذة لاحصر لها ، أغور فيها إلى مالاأستطيع أن أصل إليه في الحرف . العملية النقدية تصور ذهني ، لكنه يحتوينا ويكتشفنا عبر تكوينات اللغة التي تدهشنا بمفاجآتها . س : بدأت مجالك الإبداعي بالشعر ، ثم اتجهت إلى النقد ، ماسر هذا الانعطاف ؟ جـ : ظاهراً يبدو أن في الأمر انصداعاً كبيراً ، وحضوراً لآخر لايمكن له أن يحل محل الأول ، وباطناً تبدو الحالة ملتحمة إلى حد بعيد ، من حيث إن اللحظة التي تسيطر علي عند إنتاج القصيدة سابقاً ، وعند القراءة النقدية الآن واحدة ، أشعر بها ، بانبعاثاتها ، وارتباطاتها ، وآفاقها ، وإنما يتم تنسيق القراءة منهجياً ، فالمنهج لايعطي النقد ، ينظمه فقط ، والقصيدة منظمة أيضاً ، وتنظيمها لايعطي الشعر . عند إنتاج القصيدة أو القراءة النقدية أفر إلى نفسي ، وأحاول استقصاء تكاملي ، فتنقلب ذهنيتي بعضها على بعض ، يختلط فيها الواقعي بالحلمي ، المجازي بالحقيقي ، تنشطر وتتعدد ، قد يقال إن الناحية العقلية أكثر حضوراً في النقد ، لكن العقل في الحالين – في نظري – يبقى محايداً لأنه هو يثرى بما لم يكن قد وضح في تجاربه وتخطيطاته من قبل ، سواءً عند كتابة القصيدة أم عند إنتاج القراءة النقدية . س : الكتابة عملية فيض مزدوج ، متى تنهمر عليك اللحظة الإبداعية ؟ جـ : تنهمر حين تحضر حالة التواجد بالنص ، فلا أرى حدود العالم ، إلا فضاء الرغبة الباحثة عن الامتلاء بما في النص ، تستطيع أن تقول تنهمر في نهاية الإحساس وبداية الدخول في اللغة بما هي مكون متحايث مع أشياء كثيرة وفي وقت واحد ، هذه المكانة تشغل صورة خاصة ليس لها تسمية مقاربة إلا صورة الإشارة. س : يرى البعض أن الشعر في حضرموت يتجه إلى نفق وظلم 00 ماتعليقك على هذا ؟ جـ : منذ فترة والشعر في حضرموت في نفق مظلم ، أو في قعر صخرة ، أو في ظل ثقيل كظلال بئر برهوت ينمو بسرعة ليكثف طبقاته . وليس ثمة من سبب إلا انعدام الشعر ذاته ، وعندما يكون الشعر يشق وجوده في أي واقع ، وتحت أي أثر ، وأحوال التاريخ شاهدة على ذلك ، الشعر كالروح عندما تولد ليس يصدها أحد ، وعندما تموت ليس يصدها أحد ، ينكتب ويزول كأمر واقع مقدر بشفافيات عليا تتعالى على سببيات الزمان والمكان والظروف . لاأستطيع أن اتحدث عن أسباب غياب الشعر كما اتحدث عن اسباب غياب الطماطم من السوق ، ولو افترضنا الأسباب وعالجناها لن نعثر على الشعر مالم يرد أن يكون كجزء حار من الحياة ينتجه أناس خاصون ، وإنما هناك محفزات لاستدامته كإقامة منتدياته ، والحوارات فيه ، وإصدار الدواوين ، والاحتفاء بالقصائد ، وتنشيط الإحساس بالأثر الجمالي في تحليل النصوص في المناهج المدرسية ، وتخصيص صفحات خاصة به ، وبقراءاته في المجلات والصحف لرجال مختصين بفن الشعر أو خبراء فيه . س : ينهض الناقد بدور تنويري في المجتمع 0 كيف ؟ جـ : الدور التنويري بصيغته التوجيهية المباشرة لا أرغب فيه ، ولايستهويني ، كان هذا في عصور مضت ، وإنما الناقد يحيي النصوص عندما يقوم بدور تنويري خاص به ، بعيد عن اتجاهات المدارس وإرشاداتها العقلانية والاجتماعية ، وفي هذه الحال يختلف معنى التنوير ، فيوظف للجمع والربط والمزج بين أشياء مختلفة لإضاءة أبعاد ذهنية عليا ( تأملات ) ، متخذاً دلائله من اللغة ، متجاوزاً خطاطات التوجيهات للوصول إلى معاني المعاني ، إلى مالانهاية ، فيرى ماء البحر في ماء العين ، وماء العين في ماء الكأس ، وماء الكأس في ماء الإنسان ، وماء الانسان في ماء الحياة ، وماء الحياة في ماء الروح ، وماء الروح في الإطلاقات العليا العظيمة التي لا تحد ولاتحصر 0 أفهم التنوير على أنه استبطان وكشف خاص يضيء للآخرين طرقاً لم يروها ولم تبتهج بها أرواحهم من قبل . س : عندما مررت بتجربة الشعر ، متى تجف ينابيع الشعر عند الشاعر ؟ جـ : عندما تصعقه الكلمات . س : كيف ؟ جـ : عندما لايحتمل رؤياها س : عندما كنت في بغداد ، كيف تمثلت الوطن عن بعد ؟ جـ : تمثلته كلمة أشكلها كما أشتهي ، لأحس بالأنس ، ولأدعي أحياناً أمام زملائي ، تمثلته خيالاً بديعاً يحتضن كل تشوهاتي ونواقصي ، ومرآة لاتنعكس فيها إلا الشمس تمثلته مستقبلاً أحبه ، وأخاف أن يولد من اليوم ، وهذه الصورة الأخيرة ماتزال معي ، وتخيفني . س : مازالت كلمة ( نقد ) في بلادنا مرادفة لكلمة ( عيب ) 0 مارأيكم ؟ جـ : هذا يعود إلى تعقيدات الذات وإحساسها باجتماعيتها أكثر من إحساسها بأدبيتها ، وأن الأدب جزء من هيئتها وزينتها ، وربما من هيئة القبيلة أو العائلة ووجاهتها . تفنيد العيب بهذه الطريقة موقف اجتماعي وهو خارج شعري يكشف عن فردية غير صائبة ، إلا إذا كان الناقد يحيل إلى العيب برغبة خاصة منه ، ويوظفه تبعاً لحالاته الانفعالية ، أو مواقفه السياسية ، فهذا خطر كبير على النقد ، يجرده من جماله ، ويحوله إلى كرباج ، وهذه مسألة فظة ، فظة جداً ، أن يعادل الناقد العدو ، وأن يعادل الأديب المتهم ، وأن تعادل الكلمات دلائل الجريمة . س : هل كل كتابة بالضرورة نوع من التعبير الأيديولوجي ؟ جـ : بالمعنى العام ، نعم ، ولكن بعضهم مايزال يقدم فكرة الأيديولوجيا بصورة مباشرة ، وآسف أن أقول فجة ، ويحول بصره عن لغة الفن ، هنا تتقزم الكتابة حين تعكس عليها الأزمات التاريخية التي تمر بها الأيديولوجيات السياسية ، وتوترات الخارج وقضاياه . تناقضات النص وتفاعلاته أكبر من هذه التحديدات ، النص يختزل كثيراً من الوعي الخارجي ، ويشوهه ، فلغته المشكلة بخصوصية ما تنتج رؤيتها الخاصة ، وربما أتى إنشاء اتحادات الأدباء في العالم العربي في النصف الأخير من القرن الماضي تحت وطأة الأيديولوجيات حينئذٍ ، ومايزال كثير في اليمن وفي العالم العربي يستمسكون بتلك المفاهيم ، ومايزال الاتحاد في نظرهم منظمة ، وهذه النظرة توازي تماماً النظرة المعاكسة لها ، أي أن يلحق الاتحاد بالنظام السياسي ، أيا كانت هويته ، وأن يكون صدى له ، الأيديولوجيات تفعل في الطرفين ، وكلاهما في نظري يمارس نوعاً من التضليل والقسر على خصوصية الكتابة الأدبية ، ولكن والحمدلله أن معظم الأدباء في اليمن لايلتزمون لحرفية التوجهات الأيديولوجية التي تحاول تحويل الاتحاد إلى حزب ، وهذا شيء مبهج ، فالاتحاد جامع للإبداعات ، لاموجهاً لها . س : مامستقبل الكلمة في حضرموت ؟ جـ : مستقبل الكلمة في حضرموت كائن في قدرتنا على الإحساس بجمالها ، الجمال بوصفه وعياً ذهنياً عالياً ، وهذا مانفتقده للأسف ، وفي الاكتشافات المستمرة لمناطق بكر من الإبداع ، وهذا أمر مايزال بعيد المنال ، مالم نتعمق في قراءات الفلسفة والتاريخ والشعر والفكر والأديان والأساطير ، ونبتعد عن تشخيص الواقع ببساطة لصالح تذويبه فنياً وبعمق في إبداعاتنا ، مستقبل الكلمة في حضرموت سيكرر الركود الراهن إلا أن تحدث المفاجأة التي حاولت أن أشير إلى بعض نقاطها . س : تمثل كتابات باكثير بعداً مسائلاً للزمن ، والحرية ، كيف ؟ جـ : باكثير كان يتعمق الواقع من خلال التاريخ ، والتاريخ بعد عظيم ، فاجتمع في فنه بعدان ، بعد الماضي ورؤية الحاضر ، وهذا موقف درامي كان يعيشه باكثير ، ويهتز له ، وظهر في كتاباته ، كان يجد عين أدبه من خلال المقاربة بين الماضي والحاضر باحثاً عن حركة الزمن في الأول محاولاً اقتناصها وإيقادها في الثاني بكل معانيها النبيلة بما فيها الحرية والحق والشجاعة والخير 00 وبفنية عالية ، فاستطاع لذلك أن يؤثر في وجدان الإنسان المعاصر كأي كاتب عظيم . س : بعض المبدعين يبدؤون حياتهم الأدبية بالشعر ثم ينتقلون إلى القصة أو الرواية 0 ماسر هذا الازدواج ؟ جـ : مثل هذا المبدع عنده استعداد مسبق لأن يكتب في أكثر من نوع ، وقد تكون قضيته الفنية التنقل إلى أكثر من نوع ، فذلك مسلك رغبة واقتدار ، وقد يكون التنقل مسألة تجريب ، وقد يكون رغبة في تعميق كل فن بالفن الآخر ، أي أن المبدع يتخذ من كل فن مرآة للآخر ، ينعكس فيه تمظهره بصورة خاصة ، ولعله بتنقله ينظر إلى مجرى اللغة كيف تستعيد نفسها وتتشكل مع كل تجربة ، وقد يدعوه هذا إلى تهجين من نوع خاص وإنتاج مايسمى في النقد الحداثي ( النص ) المتعالي على كل نوع . غير أن التنقل بين الأنواع في حالات أخرى قد يكون اجترراً وتسطيحاً مملاً ، مما يجعل الأديب دخيلاً على كل نوع ، وبما ينفيه خارج أرض الأدب ، وهذه كارثة لاينتبه إليها كثير ممن يمارسون الكتابة في أكثر من جنس ، فلا يتم التنقل بمعناه الأمثل إلا أن تسند الأديب ثقافة عميقة ، وموهبة قادرة على النفاذ إلى مستويات الكلام بجدارة وتأثير . س : ماأبرز الأصوات النقدية في حضرموت ؟ جـ : عبدالله البار ، وأحمد عبيدون ، وسعيد الجريري ، وطه الحضرمي ، وعبده بن بدر وهؤلاء كلهم دكاتره وأكاديميون . س : تتعالى بين وقت وآخر أصوات مثل : تدمير اللغة ، ماذا يقصدون بذلك ؟ جـ : التدمير هنا صفة إيجابية إنمائية تحرر في اللغة طاقات فنية وإنشائية لم تكن معروفة من قبل ، وكذلك التشويه والتفجير ، التدمير هنا لايعني المحو والإفناء ، وإنما يعني الخروج إلى فاصل جديد من اللغة وأرض تستطيع أن تقول عنها بكراً ، إن الحاجة إلى المستجد من الإبداع تدعو إلى تدمير اللغة المألوفة . س : يرى البعض أن التجديد الحقيقي في الأدب لابد أن يتم داخل إطار القواعد والأصول ، فيما يذهب فريق آخر إلى أن التجديد يتبدى في تجاوز القواعد والتمرد على الشكليات والتقنيات 0 مارأيكم ؟ جـ : التجديد أكبر من أن يلتفت إلى التزام القواعد والأصول ، أو التمرد عليها ، التجديد فضاء جمالي وفني ينفتح كوجود خلاق في عالم النمط أو النوع ، أشبه بدورة حياة جديدة فيه ، لايمكن الحديث هنا عن قاعدة أو كسر قاعدة ، هذه تأتي فيما بعد كواقع حال ، أو كنتيجة ، وإذا تم التركيز عليها ابتداءً يأتي التجديد شكلياً ، التجديد ليس تغيير تقنية ، وإنما تفاعل جوهري في تكوينات النمط الأدبي نابع من حركته الداخلية ، يحدث فيه جديداً ، كشيء ضروري ، كانقلاب الكرة الأرضية إلى فصل جديد. س : تتجه هموم البلاد العربية إلى قضايا الإصلاح السياسي والاجتماعي دون وعي ضرورة التغيير الثقافي أساساً 0 ماتعليقكم ؟ جـ : في إهمال الجانب الثقافي أو التغافل عنه إضعاف للإصلاحين السياسي والاجتماعي ، أو تمييع لهما ، فالنهوض متكامل الجوانب ، ذلك لأننا لو افترضنا علاقات الأشكال السياسية والاجتماعية علاقات حضور ، فإن الأبعاد الثقافية والفكرية علاقاتها علاقات غياب تثري الوجود الأول وتدفع بع إلى أعلى ، أعني إلى التميز ، ولكن من الواضح أن هذا العنصر الثاني يتم التغافل عنه ، أو إهماله ، فتنتج أشكال سياسية واجتماعية على مسرح البلاد العربية ، ولكنها مسلوبة الفضاء والطاقة للأسف ، أي أن بنية التفاعل ومن ثم التطور ناقصة.
بحث متقدم
هل تؤيد فكرة انشاء الأقاليم كأحد مخرجات الحوار الوطني ؟
نعم
لا
لا أدري
النتيجة
جميع الحقوق محفوظة
شبكة مواقع محافظة حضرموت 2005 - 2025
تصميم و إدارة
شركة التجارة الإلكترونية اليمنية المحدودة
اتفاقية استخدام الموقع
|
رسالة لحماية الخصوصية